دريان في صلاة عيد الفطر: ليكن درس رمضان هذا العام الاهتمام بالوحدة الوطنية والدولة الوطنية والعيش المشترك ونحذر من التطرف الديني

ألقى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان خطبة عيد الفطر السعيد في جامع محمد الأمين في وسط بيروت، وأم المصلين في حضور ممثل رئيس مجلس الوزراء الوزير جمال الجراح، الرئيس تمام سلام ونواب بيروت: الدكتور عمار الحوري، محمد قباني، الدكتور عماد الحوت، الوزير السابق خالد قباني، رئيس حزب الحوار الوطني فؤاد مخزومي، رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني، سفير اليمن في لبنان علي أحمد الديلمي، القنصل السعودي في لبنان سلطان السباعي، رئيس اتحاد جمعيات العائلات البيروتية محمد عفيف يموت، رئيس جمعية رجال الأعمال اللبنانية الهولندية محمد خالد سنو، رئيس محكمة جبيل الشرعية القاضي الشيخ خلدون عريمط، المدير العام للأوقاف الإسلامية الشيخ محمد أنيس الاروادي، السيد علي الأمين، قائد شرطة بيروت العميد محمد الأيوبي، رئيس حزب النجاة مصطفى الحكيم، رئيس مؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد المهندس سعد الدين خالد، قضاة شرع، علماء، أعضاء من المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى وحشد من الشخصيات السياسية، الاجتماعية، النقابية والعسكرية.

وقال المفتي دريان في خطبة عيد الفطر: “نجْتَمِعُ اليَوْمَ في هذِه الصبيحةِ المُبَاركة ، مع نهايةِ شَهرِ رمضانَ المبارك ، وبِدايَةِ أَيَّامِ الفِطر ، ونَحنُ تَغْمُرُنا الفرحةُ والسعادةُ والاعتِزازُ بِفريضةِ الصَومِ التي أَدَّيْنا ، امْتِثَالاً للأَمْرِ الإلهي في قولهِ تعالى : ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ?، وقولِه تعالى : ?شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ? ، ونَحنُ نَعرِفُ الأجرَ الكبيرَ والثوابَ الجزيل ، لِمَنْ صَامَ رمضانَ ، وقامَ لَيالِيَهُ، كَما أنَّنا نعرِفُ بِالتَجرِبة ، أَنَّ شهرَ رمضانَ وأَخلاقَهُ وما فيهِ من العبادات ، تُصبِحُ مِيزاناً ومِقْياساً للإنسانِ الصالحِ على مدى العامِ كُلِّه، في الانضِباطِ والأخلاقياتِ ، وفي حفظِ اليَدِ واللِّسان ، وفي التَفكيرِ والتَدبيرِ لِلجَميع ، وفي الإحساسِ بِمَسؤولِياتِ الإيمان ، وأَعباءِ التَكليفِ بِالعِبادَةِ والعَمَلِ الصالِح ، مَهما كانتِ الصُعُوباتُ والمَشَقَّات .
لقَدْ جَمَعَ اللهُ ورسولُه فَضائلَ شهرِ رمضان ، في عِدَّةِ آياتٍ وأحاديث ، فقالَ عزَّ وجلّ : ?شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ? . وقال تعالى : ?إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ? . وبحسَبِ سُنَّةِ رسولِ اللهِ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه ، فإنَّ بَدْءَ إنزالِ القرآنِ الكريم ، كانَ في العَشْرِ الأواخِرِ مِنْ شهرِ رمضانَ المبارك ، وفي العَشْرِ الأواخِرِ ليلةُ القدْرِ التي يَحرِصُ المسلمون بالتهَجُّدِ والقيامِ على شهودِها . وإلى نزولِ القرآنِ في العشْرِ الأواخِرِ مِنْ رمضان ، وهذه الواقعةُ هي رأسُ فضائلِ الشهرِ الكريم . ولقد جاء الحديثُ القُدْسِيُّ مؤكداً على أنَّ أجرَ الصائمِ في شهرِ رمضان ، لا حدودَ له ، فهو للهِ الذي يجزي به، : (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلاَّ الصِّيَامَ ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ). وفي ذلك ما فيه مِنْ فضيلةِ تقديمِ العبادةِ بالصومِ والصلاةِ في رمضان ، على غيرِها مِنَ الشُّهورِ والأوقات.
فاللهُ سبحانَه وتعالى اخْتَصَّ رمضانَ بقَبولِ الطاعاتِ والصَّدقَاتِ فيه. وقد كان مِنْ سُنَّةِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ، وعاداتِ المُسلمين وإجماعِهم ، أداءُ فريضةِ الزكاةِ في شهرِ رمضان . وهذا أمرٌ يجعلُ مِنَ الشهرِ الكريم ، مَنَاطاً لأكْثَرَ مِنْ عِبادَةٍ أو فريضة ، وعلى رأسِها الصومُ والزكاة، فضلاً عنِ الحِرصِ على أداءِ العِباداتِ الأخرى فيهِ وزِيادتِها ، حسْبَما هو معروفٌ بالنِّسبَةِ للصلواتِ ، والقيامِ بها ، كما القيامُ بسائرِ الطاعات ، ومنها الصدقاتُ التي يُكافِحُ بها المسلمون الفَقرَ والحاجة. وها نحن نقرأُ جميعاً قولَه عزَّ وجلّ : ?وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ?.
أيها المسلمون، أيها اللبنانيون :
كلُّ الأديانِ تَتَضَمَّنُ شهراً أو أكثَرَ للصوم . فالصيامُ عِبادةٌ مُقَرَّرة، ذَكرَها القرآنُ في قولِه تعالى: ?كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ?. بَيدَ أنَّ للصومِ مَعنىً إضافِيّاً ومَشهوداً في الإسلام ، وهو ما يَرِدُ في قولِه تعالى أيضاً: ?شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ?. هنا إذاً ثلاثةُ أمور :
الأول: الصيامُ في الإسلامِ عِبادَةٌ لله، وشُكْرٌ لهُ سُبحَانَه وتَعالى ، لِتَفَضُّلِهِ بالإنعامِ على المؤمنين بإنزالِ القرآن ، ودَعوةِ النَّبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ في هذا الشَّهرِ الكريم .
والأمرُ الثاني: اِرتباطُ رَمضانَ بالقرآنِ الكريم ، الذي هو هُدًى للنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ. ولذلك، يُقبِلُ المسلمون بأجمَعِهِم على قِراءَةِ القرآنِ وِتِدِارُسِه ، وَالتَّعَبُّدِ بِتِلاوتِهِ في هذا الشَّهرِ المبارك ، وغيرِه من الشهور.
والأمرُ الثالث: أنَّ شَهرَ رَمضان، هو شَهْرُ شُهودٍ وَشَهَادَة ، شُهُودٌ للقرآنِ وللإسلام ، وشُهودٌ للاحتفاءِ بإنزالِ القرآن ، وشَهَادَةٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ بالإيمانِ بِدينِه ، وإنفاذِ أركانِه ، وأوَّلُها في رَمضَانَ بالذَّات، الصَّلاةُ والصِّيام.
إنَّ الرِّسَالةَ الأُخْرَى التي يُرْسِلُها إلينا سُبحانَه وَتعالى ، بِمُناسَبَةِ رَمضَانَ ومِنْ خِلالِه ، هي رِسالةُ الصَّبْر . والصَّبرُ كما يقولُ العُلماءُ صَبران : الصَّبرُ عنِ اللذائذِ والحَياةِ السَّهلة ، والصَّبْرُ على الشدائد . وَكثيرٌ مِنَ النَّاس يُعْطُونَ هذينِ النَّوعَينِ مِنَ الصَّبرِ مَعَانِيَ مَادِيَّةً وَيَومِيَّة . وهذا الفَهْمُ ليسَ خَطَأً ، ولكنَّه قاصِرٌ وغَيرُ كَافٍ . فالمُهِمُّ والبَارِزُ في رَمَضان، هو التَّركِيزُ على التَّبَصُّرِ والبَصِيرَةِ في الأمُورِ الفَردِيَّةِ والشَّخصِيَّة، والأُخرَى العَامَّة . وبذلكَ يَرتَبِطُ الصَّبْرُ بالتَّبَصُّر، فاللهُ سُبحانَه وَتَعَالى يقول: ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي? . فالبصيرةُ هنا تَعني اجتنابَ السُّهولةِ والاستخفاف، وتَجَنُّبَ الهَوَى والأهواء. وهذا بُعدٌ آخَرُ للصَّبر، يَتَضَمَّنُ الوَعْيَ العَمِيقَ بالمَوقِفِ الشَّخْصِيِّ والعامّ.
أيها المسلمون، أيها اللبنانيون ، أيها العرب :
إنَّ مِمَّا لا شَكَّ فيه ، أنَّ المَوقِفَ الذي نَجِدُ أنفُسَنَا فيه ، مُجتَمَعَاتٍ ودُولاً ، يَتَطَلَّبُ قدْراً كبيراً مِنَ الصَّبْرِ في الشَّدائدِ وعليها ، وقَدْراً كَبيراً مِنَ التَّبَصُّرِ والبَصِيرة . فالغَضَبُ يَمْنَعُ التَّفكِيرِ والتَّقدِير ، كما جاءَ في الأثرِ الشَّرِيف. كما أنَّ الكآبَةَ تَمنَعُ التَّفكِيرَ وَالتَّقدِيرَ وَالتَّدبِير. وفي المَوقِفِ العَرَبِيِّ والإسلامِيِّ الآنَ ما يَسْتَدْعِي الغَضَبَ والكَآبَةَ والسُّخْطَ والاسْتِفزَازَ والاسْتِنزَاف . بَيدَ أنَّنا إنْ وقَعْنَا في هذا كُلِّه ، كُنَّا كَمَنْ يَلْحَسُ المِبرَد ، فلا بُدَّ مِنَ الصَّبرِ في هذه الشَّدائدِ التي تَنزِلُ بنا، ولا بُدَّ مِنَ التَّبَصُّر ، مِنْ أجلِ الفَهمِ والتَّقدِيرِ والتَّدبِير.
ما تَزالُ المُشْكِلاتٌ كبيرةً في عِدَّةِ بُلدانٍ عَربِيَّة ، وبِخاصةٍ في الجِوارِ السُّوري . ثم هناك الوباءُ الصهيونيُّ الذي نَزَلَ بفِلسطين ، الذي يَزدَادُ قَسوَةً على الشَّعبِ الفِلسطينيّ ، وعلى جِوارِه العربيّ. ولا مَخرَجَ مِنْ هذه الأزَمَاتِ إلا بالصَّبرِ والبَصِيرة ، في وَحدَةِ الكلمَةِ والصَّف ، في وَجْهِ التَّدخُّلاتِ الخارِجِيَّة ، والطُّغيانِ والإرهابِ بالدَّواخِلِ في تَلكَ البُلدانِ المُضْطَرِبة . وَوَحْدَةُ الكلِمةِ والصَّفّ، يُحقِّقُها العَرَبُ الكِبارُ في المَمْلكَةِ العَرَبِيَّةِ السُّعوديةِ وَمِصْر، وكلُّ الذين يَعمَلونَ مِنْ أجلِ الاستقرار، ومُكافَحَةِ التطرُّفِ والإرهاب.
أيها المسلمون، أيها اللبنانيون، أيها العرب :
إنَّ أمنَ المسجدِ الحرامِ في مكةَ المكرمة ، وأمنَ المسجدِ النَّبوِيِّ الشريفِ في المدينةِ المنورة، هو خطٌ أحمر، لا نرضى أن يتخطاه أحد، أو أن يُزَعزِعَ أمنَهما واستقرارَهما أحد ، فهما محفوظان بحِفظِ اللهِ تعالى ، وبوعيِ القيادةِ الرَّشيدةِ في المملكةِ العَربِيَّةِ السُّعودية ، بقيادةِ خادِمِ الحَرَمَينِ الشريفين ، وَوَلِيِّ عَهدِهِ الأمين ، وحكومةِ المَملكَةِ وشَعبِها الشقيق ، وما جرى بالأمسِ في مَكَّةَ المكرمة ، مِنْ مُحاوَلةٍ فاشِلة ، لاستهدافِ الحَرَمِ المكيِّ الشريف ، الذي جعلهُ اللهُ مثابةً للنَّاسِ وأمْناً ، هو جريمةٌ نَكراءُ وغيرُ عادية ، بل هي أمُّ الجرائم ، ومَنْ قام بهذا العملِ الشنيع ، أو حَرَّضَ عليه ، إنما ارتكبَ أكبَرَ المُحرَّمات، ولا حُرْمَةَ في الإسلامِ أعظمُ مِنْ حُرمَةِ الدَّم ، والتَّعَرُّضُ للكعبةِ المُعظَّمةِ قِبلةِ المسلمين ، تَعَرُّضٌ لكلِّ مُسلمٍ بِعينِه ، ونُنَوِّهُ بالجُهودِ التي قامَ بها المسؤلون في المملكةِ العَربيَّةِ السُّعودِيَّةِ ويقومون بها، وعلى رأسِهم خادِمُ الحرمَينِ الشريفين، وَوَلِيِّ عَهدِهِ الأمين، لِكشْفِ هؤلاءِ الإرهابيين المجرمين، والضَّرْبِ على أيديهم، ليكونوا عِبرَةً لِكلِّ مَنْ يُحاوِلُ أنْ يَمَسَّ أمنَ المملكةِ واستقرارَها، المُؤتَمَنَةِ على الإسلام ومُقدَّسَاتِهِ ورِسالتِه.
إنَّ المسلمين في لبنان ، مَعَ المملكةِ العربِيَّةِ السُّعودِيَّةِ في السَّراءِ والضَّراء ، والعُسرِ واليُسر ، وَيَهُمُّهُمْ أمنُها كَما يَهُمُّهُمْ أمنُهُم ، فنحن في المَصِيرِ سواء ، وَجَسَدٌ واحد ، إذا اشْتًكًى منه عُضوٌ تَداعَى له سائرُ الجَسَدِ بالحُمَّى والسَّهر.
في هذا اليومِ العظيمِ المُبارَك، نتوَجَّه بقلوبِنا مُتضَرِّعِينَ إلى اللهِ عَزَّ وجلّ، أنْ يَحفَظَ المَملكَةَ العَربيّةَ السُّعودِيَّةَ مَلِكًا وحكومةً وشعباً وجيشاً مِنْ كُلِّ كيدٍ وسُوء، وأنْ يَحفَظَ بِلادَ المُسلمين عامَّة، وأنْ يَجْمَعَ كَلِمَتَهُم، ويُوَحِّدَ شَملَهُم، ويَقِيَهُمْ كيدَ الكائدين، وَمكْرَ المَاكِرِين، ونَسألُه جَلَّ وعلا، أنْ يُزِيلَ هذه الغُمَّةَ عَنْ سماءِ الأمة ، التي تُعاني الدَّسائسَ والمكائدَ والفُرقة ، وأنْ يُعِينَها على دَحرِ التَّطرُّفِ والإرهابِ ومَنْ وَرَاءَهُما، وأنْ يُعيدَ لنا المَسجِدَ الأقصى، لِيكونَ مكانَ أمنٍ وأمانٍ لكلِّ المصلين فيه .
أيها المسلمون، أيها اللبنانيون، أيها العرب :
لقد طالتْ عُقودُ المِحنَةِ على الشَّعبِ الفِلسطينِيّ ، وَسَنَواتُ المِحنةِ على العِراقيين والسُّوريين والليبيين واليمنيين . أفَلَيسَ رَهِيباً أنْ يُشكِّلَ اللاجئون العربُ نِسْبَةَ عِشرينَ بالمئةِ (20 %) مِنْ كُلِّ اللاجئين في العالَم ، بينما لا يَتعدَّى عددُ العَربِ ضِمْنَ سُكَّانِ العَالَم، نِسبَةَ الأربعةِ بالمئة؟ ( 4 %).
لقدِ انتهى الاستعمارُ في العالَمِ كُلِّه ، باستثناءِ الاستعمَارِ والاستيطانِ الصهيونيِّ في فِلسطين . ثم إنَّنا نَتحَدَّثُ عَنِ التَّهجِيرِ واللُّجوءِ والاستيطان ، ونَنْسَى قتلَ الإنسانِ وتَخْرِيبَ العُمران . هناك أكثرُ مِنْ مليونِ قتيلٍ في سورية والعراق خِلالَ خَمسِ سنوات . وأينَ يكونُ الصَّبْرُ إنْ لم يَكُنْ في هذه الشدائد؟ وهناكَ شَواهِدُ في هذا الشَّهرِ الفضيل، على فَهْمِ المُسلمين للرسالة ، رِسالةِ الصَّبْرِ والبَذلِ والعَطاء، والتَّزكِيةِ في رمضان، وتطويرِ الخُطَطِ للإغاثةِ والتعليمِ والصِّحَّةِ للاجئين.
لقد كان رسولُ اللهِ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليه أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ ، لكنَّه كانَ في رمضانَ أجودَ مِنَ الرِّيحِ المُرسَلة . فَلْيَتَّجِهْ كُلٌّ مِنَّا إلى ما يَستطِيعُهُ مِنْ قولٍ أو فِعلٍ أو جُهدٍ أو تَنظِيم ، لِمُواجَهةِ أَزَمَاتِ القتلِ والتَّخريبِ والتَّهجيرِ والاستهداف .
أيها المسلمون، أيها اللبنانيون :
إذا التفتْنا للداخِلِ الوطنِيّ ، نَجِدُ أخيراً ظواهِرَ إيجابية . فقد أُقِرَّ قانونٌ للانتخاب ، المُهِمُّ فيه أنَّهُ حَصَلَ في أجواءِ تَوَافُقٍ وَطَنِيٍّ كبير. وهناك شَكَاوَى مِنْ غموضِ القانونِ وصُعوبَةِ تَطبِيقِه ، لكنَّنا مُتفائلون بأنَّه كما جَرَى التَّوَافُقُ على الإقرار، يُمْكِنُ التَّوصُّلُ إلى تَوافُقٍ على طَرائقِ التَّطبيق . وبصراحة ، لقد طالَ انتظارُ اللبنانيين للانتخابات ، التي قد يكونُ إجراؤُها في أهميةِ القانونِ نفسِه. فلا صِدقِيَّةَ لأيِّ نِظامٍ سِياسِيٍّ بدونِ انتخاباتٍ حُرَّةٍ وَمُنْتَظِمَة.
وكما أنَّنا نَرى في إقرارِ القانونِ الانتخابيِّ أمراً جَيِّداً، وَيُحْسَبُ للجميع، وبخاصةٍ للرئيس سعد الحريري ، فإنَّنا نَرى في الاجتماعِ التَّشاوُرِيِّ بالقصرِ الجمهوريِّ إيجابيةً أيضاً. فهناك قضايا وَطَنِيَّةٌ واقتصادِيَّةٌ واجتماعِيَّةٌ وَسياسِيَّةٌ تأخَّرَ كثيراً الاهتمامُ بها ، وما بدا التفكيرُ فيها جِدِّيًّا إلا في حُكومَةِ استعادَةِ الثقة. فَلْيَكُنْ الاجتِمَاعُ التَّشَاوُرِيُّ مُتواصِلاً ودورياً مِنْ هذا البَابِ أيضاً ؛ وبخاصَّة ، أنَّ الأزمَةَ الاقتصاديةَ صَارَتْ خَانِقَة . وَقدْ شكَا لي عديدون مِنْ تآكُلِ مُستَوَى دُخُولِهِم ، ومُستَوَى مَعِيشَتِهم ، حتى لقد شَعَرُوا بهذا الأمرِ في رَمضَان. وهذا فَضلًا عَنْ تَكالِيفِ المَدارِس ، وَضَآلَةِ فُرَصِ العَمَلِ بالدَّاخِلِ وَالخارِج . وهذه جميعاً أُمورٌ يَنبَغِي أنْ تكونَ بَينَ أولوياتِ الحكومة ، وهو الأمرُ الحَاصِلُ بِالفِعلِ في خِطابَاتِ الرَّئيسِ الحَريرِي ، وفي عَمَلِهِ الحُكومِيّ، أي إعطاءُ الأولوِيَّةِ لِخِدمَةِ النَّاس، وحياةِ المُوَاطِنين.
إننا نتوسَّمُ خيراً في هذا العهدِ الجديد ، وفي حكومةِ الرئيس سعد الحريري، التي تَعملُ بِجِدٍّ وإخلاص، لِمُعالَجَةِ كُلِّ القضايا السياسيةِ والاقتصاديةِ والمعيشيةِ والأمنيةِ على السَّاحةِ اللبنانية ، ونَأْمُلُ أنْ يكونَ اللقاءُ التَّشَاوُرِيُّ الذي جَرَى في بعبدا، فُسْحَةً أملٍ كبيرة وبُشرَى، لِإعادةِ بِناءِ الدَّولةِ الوطنيَّة ، والنُّهوضِ بمؤسساتِها العَامِلة ، لِخِدمَةِ أبنائها مِنْ دونِ تمييزٍ أو تَفريقٍ بين مَناطِقِهمْ وأماكِنِ تَوَاجُدِهِم ، لِيبقَى لبنانُ كمَا يُرِيدُهُ أبناؤه ، وَاحَةً لِلحُرِيَّةِ والكرامة ، سيداً عربياً مُستقِلاً.
أيها اللبنانيون :
إنَّ ما نَشهَدُهُ في لبنانَ مِنْ تَفَلُّتِ السلاحِ المُنتَشِرِ في الأراضي اللبنانيةِ كافَّةِ ، قد زادَ مِنْ عَدَدِ الضحايا الذين يَسقُطون في حَوَادِثَ فَردِيَّةٍ غيرِ مُبَرَّرَة ، ويَنبَغِي ضَبْطُه ، والضَّربُ بيدٍ مِنْ حديدٍ، كُلَّ مَنْ تُسَوِّلُ لهُ نَفسُهُ أنْ يَسْتَعْمِلَ هذا السِّلاحَ في غيرِ مَوقِعِهِ الذي وُجِدَ له ، وفي غيرِ وِجْهَتِهِ الصَّحِيحَة ، وبدونِ ذلك، لا نَحفَظُ أمنَ أبنائِنا وشبابِنا الذين تَذهَبُ دِماؤهُمُ الغاليةُ علينا هَدْراً ، الأمرُ الذي يتَطَلَّبُ بَسْطَ الدَّولةِ سِيادَتَها على كُلِّ الأراضِي اللبنانية ، لمَنْعِ هذا السلاح ، وضبطِ الفلتانِ الأمنيِّ المُتنَقِّلِ بينَ مَنطِقةٍ وأخرى، ويَذهَبُ ضحيتَه مُواطِنون آمنون مسالمو ، ولا بد من تسجيل تقديرنا وتقدير كل اللبنانيين للإنجازات والتضحيات الكبيرة التي يقدمها الجيش اللبناني والقوى الأمنية من أجلِ الحفاظِ أمنِلبنان وأمنِ اللبنانيين.
أيها اللبنانيون ، أيها المسلمون :
لقد أدَّيتُم عِبَادَاتِكُمْ وَطَاعَاتِكُم في رمَضان، بالصَّومِ والصَّلاةِ وَنَشْرِ الخيرات ، وصُنْعِ الإحسان. فَدِينُنا وَلِلهِ الحَمْدُ بخير، وَمُجْتَمَعَاتُنا مُتضَامِنة ، وعَامِلةٌ في الخَيرِ بِنِعمَةِ الله. ولو لم يَكُنِ الأمرُ على هذا النَّحو ، فكيفَ اسْتَطَعتُمُ استضافَةَ المَلايِينِ مِنْ إخوانِنا السُّورِيِّين، مِنْ دُونِ أنْ يَهتَزَّ الأمْن ، أو أنْ تَنتَشِرَ الحَاجَة؟ لقد سَاعَدَنا العَرَبُ والدَّولِيُّون ، لكنَّ المَسؤولِيَّةَ الحَقِيقِيَّةَ تَحَمَّلتُمُوهَا أنتم وما تزالون. ثم يأتي مَنْ يَقول: بل أنتم لسْتُم على دِينٍ ولا يَقِين ، وَلا بُدَّ مِنْ فَرضِ الدِّينِ عليكم ! فَلْنَحْذَرِ التَّطَرُّفَ في الدِّين ، الذي يُوَلِّدُ سُلوكاً شَاذّاً، وانكِمَاشاً أخلاقِيّاً ، وقد يؤدِّي إلى العُنفِ ضِدَّ النَّفْسِ والآخَرِ المَذْهَبِيِّ أو الطَّائفِيّ . لقد نَجَا مُجتَمَعُنا بِحَمْدِ اللهِ مِنْ أهوالِ الفِتنَةِ وَالعُنفِ الجَارِيَةِ بالجِوَار، بِفَضْلِ وَعْيِكُم وَصَبْرِكُم ، رُغمَ مَا تَتَعَرَّضون له مِنْ ضُغوطٍ واستفزازات . فَلْيَكُنِ الدَّرسُ في رمضان، أو لِيَكُنْ دَرسُ رَمضَانَ لِهذا العام ولكلِّ عامٍ : الاهتمامُ بالوَحدَةِ الوَطَنِيَّة ، وبالدَّولةِ الوَطَنِيَّة ، وبالعَيشِ المُشتَرَك.
لقد عاشَ اللبنانيون على اختلافِ فئاتِهِم عُقوداً بل قُروناً مَعاً ، وَمَا استطاعَتِ الفِتَنُ وَالحُرُوبُ المُسَمَّاةُ أهلِيَّةً تَفرِقَتَهُم ، فلا يَنبَغِي الآنَ، وقد كِدْنا نَنجو مِنْ أهوالِ المُحِيط ، أْنْ نَستَسلِمَ لافتراقاتٍ وَوُجُوهِ غَلَبَةٍ وَمُواجَهَاتٍ وانقسامَاتٍ مَصلحِيَّة ، سَبَبُها الجَهلُ بالتّارِيخ ، وبالتَّجْرِبَةِ الوَطَنِيَّة ، وَضِيقِ الأُفُقِ وسُوءِ النِّيَّة. نحن اللبنانيين كُنَّا مَعاً وَسَنَبْقَى مَعاً ، نَحفَظُ أخلاقَنا وأديَانَنا وَوَطَنَنا ومُسْتَقْبَلَنا.

وبعد إلقاء المفتي دريان خطبة العيد توجه وممثل الحريري الجراح والحضور إلى ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث قرأ الفاتحة عن روحه ورفاقه الأبرار.

وكان الجراح اصطحب مفتي الجمهورية من منزله صباحا إلى مسجد محمد الأمين يرافقهما رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني وقائد شرطة بيروت العميد محمد الايوبي في موكب رسمي وقدمت ثلة من قوى الأمن الداخلي التشريفات في باحة المسجد للمفتي دريان والوزير الجراح.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام

عن Editor1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *