الجمعة , 1 أغسطس 2025

لبنان بلا زياد…”لأول مرة ما بيكونوا سوا”

لقد انطفأت شمعة الشرق الفنية .

ترجّل “زياد الرحباني” عن صهوة العبقرية الموسيقية، تاركاً وراءه موسيقى لا تُشبه أحداً ، وآراء ، و مواقف لا تُنسى ، وعبارات عفوية كانت تُغني ، حتى لو صمتت الآلات جميعها.

رحل صاحب النغم المتمرّد على قوالب التلحين الموسيقى السائد في العالم الشرقي ، وانتهى الحس النادر بالصوت الموسيقي المختلف..

-لقد مات الملحن الذي كتب لنا موسيقى تنزف، وتضحك، وتحتج، وتعشق. وتسخر ..

بغيابه خسرنا  أنغام العقل في عزّ الجنون، ولحن الجنون حين يضيق العقل.

– فلتبكِك أصابع البيانو ، ولتُحدّثنا آنات الآلات ، عن روح رجلٍ كانت أصابعه ترسم الحرية بصوت مختلف، وتكتب الواقع بنغم مفاجئ.

تضيق الكلمات عن الإحاطة بخسارتنا الفادحة ونحن نفقد البهي ، العميق الرقيق زياد الرحباني، عبقري البساطة ورشاقة الروح، الذي وسع آفاق الجمال في عقولنا وقلوبنا ومنع الثقوب السوداء من أن تمتص أضواء أرواحنا .

لا وقت للحزن العادي فهو لا يشبه زياد في شيء. لأن عبقري البساطة والعمق زياد الرحباني سيواصل تدفقه الحر عبر أجيالنا، ما دامت النساء تلد أطفالاً يسمعون!  فقط دعونا نتوسل لكل ملائكة السماء والأرض أن تسند قلب السيدة فيروز التي كانت وستبقى أرقى وأبقى ما فينا من جمال.

في عالمنا الغارق في الأكذوبة، المليء بالمتملقين الذين يتفننون في وصف ثياب الملك وإطرائها، جاء زياد الرحباني ورأى الحقيقة بعينيه البريئتين فأعلن عري الملك من الثياب ، وعري حاشيته من الصدق، ولم يتوقف عند هذا الحد كما في الحكاية الشهيرة، بل تابع بصدق جارح كشف عريه وعرينا عبر الموسيقى والأغنية والمسرحية والكلمة المجردة.

قبل حوالي سبعة عشر عاماً كتب احد الصحافيين عن زياد:

“ليس سهلاً أن يكون المرء ابن فيروز وعاصي الرحباني، وأن يُقَدَّم على إنه الوريث الشرعي للتجربة الأهم والأكثر تقدماً في مجال الأغنية والمسرح الغنائي المشرقي الحديث . ليس سهلاً، لأن من يقف بجوار تجربة كهذه يغامر بأن تدمجه في سياقها وأن تسحب ظلها العالي عليه ، لكن زياد بالرغم من أنه ولد وترعرع في هذه التجربة ، لم يستسلم لإغراءاتها الكثيرة أبداً. لم يكتف بأنه ابن عاصي الرحباني وفيروز- قارورة العطر، فعمل بدأب يستحق الإعجاب، حتى صنع لنفسه اسماً ولوناً. والآن يعرفه الناس في مشارق الوطن العربي ومغاربه كموسيقي مجدد مجتهد، وككاتب مسرحيات ، وأغنيات وكعازف بيانو وكممثل.”

يجمع بين الموهبة والجرأة والصدق ، لاشك أن ملح الصدق الذي ينثره عبر فنه الراقي، يكوي جراحنا  لكنه يعقمها أيضاً.

ذات مرة وبعد انتهاء حفل له سمع شاباً يقول لزميله : “يخرب بيته، شاقق الأرض وطالع ” ، قال له  زميله ممازحاً لماذا لا تقول : “شاقق السما ونازل،  – يضحك زياد-  أتابع متسائلاً : أيهما أقرب الى قرارة نفسك أن يقال عنك شاقق الأرض وطالع ام شاقق السما ونازل؟

-الأرض أضمن ، مجرَّبة.

برحيله، يُطوى فصلٌ من فصول الفنّ اللبناني الحرّ، وتغيبُ قامةٌ نادرة امتلكت الجرأة أن تقول، وتنتقد، وتضحك، وتُحزن، وتبكي، في آنٍ معًا.

عزاؤنا أن زياد لم يمت، بل غاب جسدًا… ليظلّ صوته ولحنه وكلمته، حيّةً بيننا، تشبهنا، وتذكّرنا من نحن، وأين صرنا.

رايح أنا

داير للدني ضهري

مشيت

بلا ولا شي

ما بقى تسألوني

بالنسبة لبكرا شو؟

بكرا بعيد

والموت قريب

عيشوا متل ما بتحبوا

حبٍوا متل ما بتعيشوا

ما تتركوا

الوجع يكسركن

حكوا ما تسكتوا

بنكتة،بموقف،بلحظة جريئة

،بثورة، بتمرّد

رغم الوجع اضحكوا

“عيشوا ب”نزل السرور

راقبوا خليل

وانتبهوا للصهريج

ما تنسوا

زكريا

ونجيب

ثريا بحمايتكن ما تخلوها تبكي

البكي ما بفيد

الليل طويل

وزياد مشي

.ومشيت معو الألحان

💔تعازينا لإم ربّت وكبّرت وصبرت ع كل ما عانت ، حملت وطن بكامله ولفّت فيه أصقاع العالم  ولكل الدني صوتنا بصوتها وصّلت ، واليوم الحمل كان أكبر وبوجّع أكثر .. بس لأول مرة اليوم عمنحمل معك  لأن الأرزة يللي 69 سنه ساندتك وهوت اليوم ، هوت فينا كلنا … إذا صوتك كان إلنا #وطن  ، موسيقى زياد كانت الخارطة ، قلبنا معك ولروح المبدع زياد السلام والرحمة

ابناء السيدة فيروز:

“ليال” : ولدت عام 1960، وتوفّيت عام 1988.

“ريما”: ولدت عام 1965،وهي كاتبة و مخرجة.

“هالي”: ولد عام 1958، و هو مُقعد.

“زياد”: ولد عام 1956، وهو صحفي و كاتب و ملحّن. وتوفي اليوم عن عمر يناهز 69 عاماً ليجدد اليوم برحيله الحزن في قلب فيروز المتعب..

في سنة 1973، زياد كان شاب عنده 17 سنة، ولقي نفسه امام لحظة صعبة جدًا في حياته عندما والده عاصي الرحباني تعرض لنزيف حاد في الدماغ وهو يحضّر لمسرحية “المحطة”، ودخل المستشفى. في واحدة من أكتر اللحظات المؤثرة، فيروز صعدت المسرح  ولما رأت كرسي عاصي ،  غمرها الحزن وسكتت، وساب الغياب أثر كبير فيها. لاحظ منصور الرحباني، أخو عاصي، هذا – وكتب كلمات بتعبر عن ألم الفقد، وطلب من زياد أن يلحنها. كانت أول تجربة لزياد في التلحين، وكانت لوالدته فيروز، وكانت النتيجة أغنية “سألوني الناس”

سالونى الناس عنك يا حبيبى

كتبو المكاتيب و اخدها الهوا

بيعز على غنى يا حبيبى

و لاول مره ما منكون ســـوا

سالونى الناس عنك سالونى

قلتلهن راجع اوعى تلومونى

غمضت عيونى خوفى للناس

يشوفوك مخبا بعيونى

و هب الهوا و بكانى الهوى

لاول مره مـــا منكون ســوا

طل من الليل قال لى ضوى لى

لاقانى الليل و طفا قناديلى

و لا تسالينى كيف استهديت

كان قلبى لعندك دلـيـلى

و اللى اكتوى بالشوق اكتوى

لاول مره ما منكون سوا

برحيل زياد الرحباني، خسرنا صوت حر، لم يجامل  لا سلطة ولا جمهور، وكان فنه دايمًا مرآة لواقع متقلب، وحلم بوطن أجمل.

#نينا

عن Nehmat Al sayegh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *