الأحد , 19 مايو 2024

الراعي: نصلي كي تدحرج الكتل السياسية والنيابية والحكومية الحجر عن القبر المحبوس فيه قانون الانتخابات. ويوجد قبور كثيرة عندنا بحاجة إلى دحرجة الحجارة عنها، بدءا بالفساد الضارب في الأخلاق والسياسة والإدارة والقضاء والأمن

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس عيد الفصح في كنيسة القيامة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه لفيف من المطارنة والآباء، في حضور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وعقيلته ناديا، الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول، وزير الشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي، السفير البابوي غبريال كاتشيا ووزراء ونواب حاليين وسابقين، وفاعليات.

والقى الراعي عظة بعنوان “من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر” (مر16: 3)، استهلها بالترحيب برئيس الجمهورية قائلا: “فخامة الرئيس، يسعدني أن أرحب بكم وبعقيلتكم اللبنانية الأولى وبأسرتكم، مع صاحب الغبطة والنيافة أبينا البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس، وسيادة السفير البابوي والسادة المطارنة، وكل الجماعة الحاضرة من وزراء ونواب ورسميين مدنيين وعسكريين، وأنتم تأتون جريا على عادة رؤساء البلاد لنحتفل معا بعيد قيامة الرب يسوع وانتصاره على الخطيئة والشيطان والشر والموت، ونتبادل أحر التهاني وأخلص التمنيات. إنها قيامة تشكل حدثا حاسما في تاريخ البشر، إذ أوجدت حيزا جديدا للحياة نكون فيه مع الله. فجسد يسوع القائم من الموت أصبح جسده الكوني، المعروف بالكنيسة السر، الذي يدخل المؤمنين في شركة حياة مع الله وفي ما بينهم”.

أضاف: “هذا الحدث الحاسم بدأ مسيرته عندما دحرج الحجر الكبير عن قبر يسوع. فكان المسيح الإله نفسه الذي دحرجه في فجر اليوم الثالث لموته في الجسد البشري فيما كانت النسوة، الآتيات إلى القبر لتطييب جسده، تتساءلن في الطريق: “من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟” وإذ تطلعن رأين الحجر قد دحرج، وكان كبيرا جدا” (مر16: 3-4). ما يعني أن المسيح القائم من الموت يدحرج كل حجارة قبور الحياة، إذا لجأنا إليه بإيمان، وقمنا بما على كل واحد وواحدة منا من واجب الحالة التي يوجد فيها، وواجب المسؤولية التي تسند إليه، عملا بالقول المأثور: “قم، فأقوم معك!” والآخر: “ساعد نفسك، تساعدك السماء”. إن قيامة المسيح هي أساس الرجاء فينا، واليقين أنه دائما عن يميننا فلا نتزعزع، ذلك أنه بقيامته أفاض روحه القدوس فينا، والروحينير بإنجيل المسيح ظلمات حياتنا ومعضلاتها مهما تشعبت وتراكمت وصعبت”.

وتوجه الى رئيس الجمهورية بالقول: “أنتم صاحب المسؤولية الأولى والعليا في الدولة اللبنانية والجمهورية والأمة، وقد حلفتم يمين الإخلاص لهذه الثلاث المصانة من الدستور، وفعلتم ذلك باسمكم الشخصي وباسم كل اللبنانيين. وإنكم تجدون بكل أسف من يستخف بالدولة، ويجهل الجمهورية، ويشكك بالأمة، ويعطي ولاءه لغيرها. هي مسؤوليتكم أملت عليكم اتخاذ المبادرة الدستورية ليل الأربعاء الماضي، فقررتم بحكم المادة 59 من الدستور تأجيل انعقاد المجلس النيابي لمدة شهر، فيما كانت الأمور تتجه نحو مواجهات في الشارع بين مؤيد للتمديد ورافض له. وكانت البلاد كسفينة في عرض البحر تتقاذفها الرياح والأمواج العاصفة، واللبنانيون يحبسون أنفاسهم خائفين من مغبة ما يمكن أن يحصل من شر عارم في يوم الخميس التالي، وهو عندنا أقدس أيام السنة، واسمه خميس الأسرار. فكان قراركم الحكيم القاطع قرار ربان مدرك ومسؤول، وسكنت الريح، وكان الهدوء العظيم، واستطاع اللبنانيون أن يحيوا بفرح الأعياد الفصحية”.

أضاف: “لقد صلينا ونصلي كي تتكل الكتل السياسية والنيابية والحكومية على عناية الله وقوة المسيح القائم، وتدحرج خلال فترة الشهر الحاسمة، الحجر عن “القبر” المحبوس فيه منذ سنوات قانون الانتخابات الجديد المرجو انبعاثه. فدحرجة الحجر تفتح أبواب الفرح والسعادة لجميع المواطنين.أما الإمعان في عدم الإفراج عن قانون جديد فيزيد من خيبات الأمل عند الشعب اللبناني، ويشبه “ختم الحجر وإقامة الحرس على قبر يسوع” كما فعل بيلاطس ورؤساء الشعب (راجع متى 27: 65-66). لكن هؤلاء ظلوا في مستنقع خزيهم أمام الله والناس، بينما الحجر دحرج، والمسيح قام، وانتصرت الحقيقة على الكذب، والمحبة على الحقد والأنانية”.

وتابع: “فخامة الرئيس، في خطابي القسم والاستقلال زرعتم في قلوب اللبنانيين الأمل بمستقبل أفضل قائم على المبادئ الوطنية غير الطائفية أو المذهبية الكفيلة بحماية السيادة والاستقلال وتعزز الوحدة الداخلية، أرضا وشعبا ومؤسسات. ونقول معكم أنه يوجد قبور كثيرة عندنا بحاجة إلى دحرجة الحجارة عنها، بدءا بالفساد الضارب في الأخلاق والسياسة والإدارة والقضاء والأمن. وثقل الحجر يتأتى من مسؤولين سياسيين يحمون الفساد لكونه مصدر تمويلهم غير الشرعي. مكافحة الفساد والرشوة معركة ضروس ضد المفسدين والراشين. ولكن من أسباب الفساد المشجعة له الأجور التي هي دون القدرة الشرائية والحاجات الحياتية، ما يستدعي معالجتها بالنهوض الاقتصادي في كل قطاعاته. لقد تسلم جيلنا لبنان ذخرا وحضارة ودورا ورسالة ومكان راحة وطمأنينة. فلا يمكن أن ندعه عرضة للفساد، في ضوء قيامة القدوس من فساد القبر، مستلهمين ما وضع مزمور داود الملك على لسان المسيح الآتي، مناجيا أباه السماوي: “إنك لا تترك نفسي في مثوى الاموات، ولا تدع قدوسك يرى فسادا” (مز16: 8-11؛ رسل 2: 25-27)”.

وقال: “حجر كبير آخر تجب دحرجته، هو معاناة الناس من الأزمة الاقتصادية وضآلة فرص العمل. تعرفون، فخامة الرئيس، أن 32 % من الشعب اللبناني هم تحت مستوى الفقر بحسب دراسة البنك الدولي. وقد تفاقمت هذه الحالة بسبب النازحين السوريين سواء بمنافستهم غير الشرعية في سوق العمل أم باتساع العمالة غير النظامية، أم بخفض مستويات الأجور وأثمان السلع. فارتفعت نسبة البطالة بخاصة عند الشباب حتى بلغت 31 %. هذا بالإضافة إلى ما يعاني شعبنا من التداعيات الهائلة على الخدمات العامة في كل من قطاع التعليم والصحة والطاقة والماء والبنى التحتية والنفايات.
إن موضوع النازحين حجر كبير أيضا على المستوى الأمني والثقافي والسياسي، فيجب دحرجته بالتعاون مع الأسرة الدولية المعنية مباشرة بالحرب في سوريا. وفيما نعلن تضامننا الإنساني الكبير مع السوريين النازحين المنكوبين، فإننا نطالب، من أجل استعادة حقوقهم وكرامتهم وثقافتهم وممتلكاتهم، بأن يصار إلى نقلهم إلى أماكن آمنة على الأراضي السورية التي تفوق تلك اللبنانية مساحة بثماني عشرة مرة، وبأن تنقل إليهم مباشرة كل المساعدات، لتمكينهم من العودة إلى بيوتهم وأملاكهم في الأماكن الخارجة عن نطاق الحرب ولاستصلاحها. وما نقوله عن السوريين نقوله أيضا عن النازحين العراقيين. وفي كل حال يجب على الأسرة الدولية أن توقف الحرب في سوريا والعراق، وتوجد حلولا سلمية، وترسي أساسات سلام عادل وشامل ودائم، وأن تكون جدية في مكافحة المنظمات الإرهابية وتعطيل عملياتها”.

وختم الراعي: “لقد أثرت هذه المواضيع، لأن الحجر الذي دحرج عن قبر المسيح ليس محصورا في المكان والزمان. ولكنه أضحى مسؤولية مشتركة في كل جيل لدحرجة كل حجر عن أي قبر يأسر في داخله الإنسان، أفردا كان أم جماعة؛ وأيا تكن طبيعة القبر والضحايا التي في داخله. فثمة ضحايا الخطيئة والشر، وضحايا الظلم والاستبداد، وضحايا الجوع والفقر والحرمان، وضحايا الكذب والعنف قتلا وتهجيرا واعتداء، وضحايا أقبية التعذيب وسوء المعاملة في السجون، وضحايا المرض والإعاقة والاحتياجات الخاصة، وضحايا الفساد والرشوة وخسارة حقوقهم، وضحايا الدعارة والمخدرات والتحرش بالصغار والاتجار بالبشر. ولا تنتهي سلسلة القبور. فكم المسؤولون، في الدولة والمجتمع والكنيسة، مدعوون للذهاب إلى العمق، وعدم التلهي أشهرا وسنوات، في المماحكات والمجادلات وإهمال كل هذه الحالات المؤلمة. ففي مقدور ذوي الإرادات الحسنة، وأنتم اليوم على رأسهم يا فخامة الرئيس، دحرجة العديد من حجارة هذه القبور. وعند تحقيق مثل هذه القيامات، نستطيع أن نهتف من القلب لا من الشفاه: المسيح قام حقا قام”.

وبعد القداس، تقبل رئيس الجمهورية والبطريرك الراعي التهاني بالعيد في صالون الصرح.

عن Editor1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *