الجمعة , 4 أكتوبر 2024

الراعي في قداس في ذكرى الشهيدين الفخري: الثقة كبيرة بالقضاء ونرجو القبض على الجناة وإجراء ما تقتضيه العدالة

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداس الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان حنا علوان وعاد أبي كرم ولفيف من الكهنة، في حضور النائب السابق ميشال الخوري، وفد من عائلة المرحومين الشهيدين صبحي ونديمة الفخري وأهالي بتدعي وبشري ودير الاحمر ونبحا برئاسة باتريك الفخري، وفد من عائلة المرحومة جورجيت سركيس، القنصل ايلي نصار وحشد من المؤمنين. وخدمت القداس جوقة القديسة فيرونيكا.

بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: “طوبى للتي آمنت انه سيتم ما قيل لها من قبل الرب” (لو1: 45)، قال فيها: “إليصابات النبوية لمريم، عندما زارتها، ومريم في أول يوم من حبلها بيسوع، مخلص العالم وفادي الإنسان، وإليصابات حامل بيوحنا المعمدان وهي في شهرها السادس ، إذ هتفت:”طوبى للتي آمنت أنه سيتم ما قيل لها من قبل الرب”. (لو1: 45).

أضاف: “يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهية التي نحيي فيها زيارة مريم العذراء لنسيبتها إليصابات، فور علم مريم من الملاك بأن إليصابات نسيبتها حبلى بإبن في شيخوختها. نحييكم جميعا وبخاصة أولاد المرحومين الشهيدين صبحي ونديمه الفخري اللذين قتلا بإطلاق النار أمام دارتهما في بتدعي، على يد عصابة من آل جعفر، فيما كان يطاردهم الجيش اللبناني خلال الخطة الأمنية في البقاع. وما زال القتلة فارين من وجه العدالة. وقد مضى على الجريمة ثلاث سنوات كاملة. وكنا ننتظر مع العائلة أن يسلمهم آل جعفر للقضاء تجاوبا مع أبناء الضحيتين الذين قطعوا عهدا بعدم اللجوء إلى الثأر أو التهديد، لان دم الوالدين لا يثمن ولا يعوض، وحماية للعيش المشترك في البقاع العزيز، وحفاظا على حسن صيت هذه المنطقة من لبنان. لكن الثقة كبيرة بالقضاء، ونرجو أن يتوصل إلى القبض على الجناة وإجراء ما تقتضيه العدالة بحقهم. “فالعدل أساس الملك”. إننا نجدد تعازينا لأبناء وابنتي الشهيدين وعائلاتهم وسائر أنسبائهم، ونعبر لهم عن قربنا منهم الروحي والإنساني والتضامني، ونذكر بصلاتنا المرحومين صبحي ونديمه، راجين لهما الراحة الأبدية في السماء. واننا نحيي الوفود المرافقة من بشري ودير الاحمر وبتدعي ونبحا وسواها، ورؤساء البلديات والمخاتير. كما نحيي عائلة المرحومة جورجيت حبيب سركيس ارملة المرحوم جرجس نمر ابو سمرا التي ودعناها منذ شهر. نذكرها معكم بالصلاة ونجدد التعازي لابنيها وابنتيها وعائلاتهم ولانسبائها جميعا”.

وتابع: “في إنجيل زيارة مريم العذراء لإليصابات تسطع ثلاث فضائل: الإيمان والمحبة والخدمة. هوإيمان مريم بالله وبكلام الملاك الذي بشرها بأنها ستكون أما لابن الله القدوس، وهي عذراء، بقوة الروح القدس. بهذا الإيمان أجابت مريم “نعم” لإرادة الله كيفما تجلت. وقالت: “أنا خادمة الرب” (لو1: 38). إيمانها إيمان بمحبة الله التي أنشدتها في بيت إليصابات: “تعظم نفسي الرب، لأن القدير صنع بي عظائم، اسمه قدوس، ورحمتُه من جيل إلى جيل لخائفيه…” (لو46-50). وإيمانها محبة تخدم، فأسرعت إلى بيت إليصابات لتخدمها. وظلت عندها ثلاثة أشهر حتى مولد يوحنا.

من يؤمن يحب الله، ومن يحب الله يخدم الإنسان. هذا هو الترابط بين الإيمان والمحبة والخدمة، الذي لا يقبل الانحلال في حياتنا. إن أمنا وسيدتنا مريم العذراء هي لنا المثال بامتياز. في مسيرتنا الروحية نحو الميلاد، نسأل الله أن يجمِل عقولنا بالإيمان، وقلوبنا بالمحبة، وإرادتنا بالخدمة”.

وقال: “هذه الثلاثة، إذا عشناها وتذوقناها في حياتنا العائلية والاجتماعية والوطنية، اختبرنا السعادة وطعم الحياة الجميلة. لا يمكن أن نفصل الإنجيل عن واقع حياتنا اليومية في العائلة والمجتمع والدولة. فالكلام عن ثلاثية الإيمان والمحبة والخدمة هو حاجة حياتنا الوطنية اليوم. لذا، ندعو الجماعة السياسية عندنا لاعتماد هذا النهج المثلث، والخروج من واقع التباعد والتنافر والاتهامات المتبادلة والتحجر في المواقف، وفرض الرؤية الشخصية، بل ندعوها للسير في خط التلاقي من أجل شد أواصر الوحدة الوطنية، من خلال إزالة كل ما يعرقلها من مصالح وحسابات ومكاسب شخصية وفئوية، مع الولاء أولا وآخرا للبنان ولمصالحه، كيانا وشعبا ومؤسسات”.

أضاف: “لقد قطعنا، بنعمة الله وبفعل الإرادات الطيبة، قطوع “التوطين في لبنان” للاشتباكات الجوالة في المنطقة، وبالتالي قطوع محاولات “جعل لبنان ساحة بديلة” للصراعات الإقليمية. فرفعت الدول الصديقة صوتها لحماية لبنان، وسيادته، ووحدته، ودوره كعنصر استقرار في المنطقة، بفضل نظامه الديموقراطي القائم على التعددية الثقافية والدينية، وعلى العيش المشترك والمشاركة المتساوية والمتوازنة بين المسيحيين والمسلمين في الحكم والإدارة، وفقا لروح الميثاق الوطني وِما يرسمه الدستور”.

وتابع: “نحن نأمل ونصلي أن تأتي نتائج المشاورات، التي أجراها فخامة رئيس الجمهورية مع مختلف الكتل والشخصيات السياسية، لترسي توجها سياسيا جديدا منتظرا، فتسير بلادنا إلى الأمام اقتصاديا وإنمائيا، وتحافظ على علاقاتها الطيبة مع كل دول المنطقة في إطار الأسرة العربية”.

أضاف: “إن ثمار ثلاثية الإيمان والمحبة والخدمة كبيرة دائما، وتفوق توقعاتنا، لأن مصدرها هو الله. عندما دخلت مريم بيت إليصابات، امتلأت هذه والجنين يوحنا الذي في بطنها من الروح القدس. فأملى عليها الروح ما أعلنت نبويا بشأن مريم: “مباركة أنت في النساء، ومبارك ابنك ثمرة بطنك! من أين لي أن تأتي إلي أم ربي؟ فطوبى للتي آمنت أن ما قيل لها من قبل الرب سيتم” (لو1: 42، 43، 45). والجنين يوحنا “ارتكض من الفرح في بطن أمه” (لو1: 41 و44).

كل ذلك، لأن مريم الحامل بيسوع في يومها الأول، كانت تحمل كل محبة الله المسكوبة فينا بالروح القدس. فحيث المسيح هناك الروح القدس. وحيث الله هناك المحبة.
هذا الذي جرى في بيت إليصابات ينتظر أن يجري في كل بيت عائلي واجتماعي وكنسي ووطني”.

وتابع: “من إنجيل زيارة العذراء مريم لإليصابات، تتضح لنا من جديد حقيقة ثابتة هي أن الجنين منذ اللحظة الأولى لتكوينه في حشا أمه هو كائن بشري له فرادته وشخصيته العتيدة، وهو كامل الحقوق وأولها الحياة. فالجنين في بطن مريم منذ لحظة بشارة الملاك لها وجوابها “بنعم” هو يسوع المسيح العتيد أن يولد ويكون مخلص العالم وفادي الإنسان. والجنين الذي في حشا إليصابات منذ ستة أشهر هو يوحنا المعمدان الذي سيولد، ويكون حامل رسالة إعداد القلوب بمعمودية التوبة للمسيح الآتي”.

وختم الراعي بالقول: “إننا نلتمس من الله أن ينعم علينا بالإيمان والمحبة والخدمة، وان تؤتي ثمارها فينا، وان نحترم الحياة البشرية في كل إنسان، منذ لحظة تكوينه جنينا حتى آخر نفس من حياته، لمجد الثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.

بعد القداس، استقبل الراعي في صالون الصرح، المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية.

عن Editor1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *