السبت , 4 مايو 2024

حراك دولي ثلاثي الأضلاع على وقع عقوبات أوروبية ضد مسؤولين لبنانيين

منذ أن التقى وزراء خارجية السعودية والولايات المتحدة وفرنسا في مدينة ماتيرا في إيطاليا على هامش اجتماع وزراء خارجية “مجموعة العشرين”، عاد الحديث مجدداً عن دور سعودي في لبنان أصرّ الجانبان الأميركي والفرنسي على إعادته إلى الحياة بعد انقطاع لسنوات، سببه القرار المخطوف بلبنان من قبل حلفاء إيران، كما أعلن أكثر من مسؤول سعودي.

 

وجرت محاولات إشراك السعودية بالحل للأزمة اللبنانية، وتم التركيز على العودة من الباب الإنساني، وعلى الرغم من جهود بذلت لجعل المملكة تشارك في مؤتمر دعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية الذي دعت إليه فرنسا، إلا أن السعودية لم تحضر واقتصرت المشاركة على ممثل الإمارات، في رسالة قيل إنها إشارة إيجابية وخطوة أولى مشجعة من قبل السعودية باتجاه لبنان وقواه العسكرية الشرعية.

 

محط اهتمام وتساؤل

 

وتوالت التطورات وشكلت الزيارة غير المسبوقة لسفيرتي فرنسا آن غريو وأميركا دوروثي شيا في لبنان إلى الرياض محط اهتمام وتساؤل، لا سيما أنها أتت ترجمة للاجتماع الثلاثي الذي حصل في إيطاليا على مستوى وزراء خارجية الدول الثلاث.

 

سفير السعودية في لبنان وليد البخاري شارك في جزء من اللقاءات التي عقدتها سفيرتا فرنسا والولايات المتحدة الأميركية في الرياض، وبقيت المداولات طي الكتمان في وقت قرأ كثيرون فيها تأسيساً لخلية دولية وعربية لمساعدة لبنان، وكشفت مصادر دبلوماسية فرنسية لـ “اندبندنت عربية” أن المحادثات كانت بناءة وأن هدف الزيارة مشاركة السعوديين في الجهود الدولية لدعم ومساعدة الشعب اللبناني. عاد البخاري إلى بيروت ملتزماً الصمت حيال زيارة زميلتيه في السلك الدبلوماسي إلى الخارجية السعودية، لكن في المقابل أطلق العنان ضد العابثين بين لبنان وعمقه العربي، مذكراً في احتفال جرى في مقر البطريركية المارونية بمناسبة صدور كتاب العلاقة بين البطريركية والسعودية، بهوية لبنان العربية وبانتمائه العربي، ولاقاه البطريرك بشارة بطرس الراعي غامزاً من قناة محور إيران ليؤكد على “أن السعودية لم تعتد على سيادة لبنان ولم تنتهك استقلاله، ولم تستبح حدوده ولم تورطه في حروب، ولم تعطل ديمقراطيته ولم تتجاهل دولته”.

 

انتهت زيارة غريو وشيا في الرياض لتبدآ في بيروت حراكاً مكثفاً استهلتاه من السفارة السعودية، حيث التقتا البخاري قبل أن تنتقلا إلى وزارة الخارجية للقاء الوزيرة زينة عكر، حيث اطلعتا على الاستراتيجية المتبعة في لبنان لتسلم المساعدات وتوزيعها، علماً أن المساعدات التي تعمل على توفيرها كل من أميركا وفرنسا بمساعدة السعودية لن تمر من خلال الحكومة والمؤسسات الرسمية الحالية، بعدما فقدت معظم الدول ثقتها بالطبقة السياسية الحالية.

 

هل عادت السعودية إلى الاهتمام بالوضع اللبناني؟

 

شكل لقاء “معراب” الذي جمع السفير السعودي ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مع رجال أعمال من عالم المال والصناعة والزراعة والاقتصاد والتجارة محطة لافتة، لا سيما أنه أتى في سياق عودة الاطلالات النادرة للبخاري، والتي أرادها أن تكون من مقرين مسيحيين “بكركي” و”معراب”. ولقاء “معراب” الذي عقد للبحث عن حل لمسألة الصادرات اللبنانية إلى السعودية يوازي بين مصلحة الاقتصاد اللبناني وأمن السعودية، وجرى بطلب من رئيس حزب القوات على إثر أزمة حبوب “الكبتاغون”، وما استتبعها من قرار بوقف استيراد المنتجات اللبنانية، ورحبت المملكة بالدعوة.

 

الأبعاد السياسية

 

وتشرح مصادر في القوات اللبنانية أن للقاء أبعاداً لا تقتصر على مشكلة لبنان الاقتصادية والمالية، بل تتعداه إلى الأبعاد السياسية أيضاً، بحيث لا يمكن فصل هذا اللقاء عن سلسلة محطات بارزة حصلت خلال الأسابيع الماضية، بدءاً من اجتماع إيطاليا بين وزراء خارجية السعودية وأميركا وفرنسا، مروراً بلقاء الفاتيكان ووصولاً إلى لقاء “بكركي” الذي أعاد، ومن الموقع المسيحي الماروني الروحي، تصويب موقع لبنان العربي وبالتالي السياسي.

 

لقاء “معراب” إذاً هو تتمة لهذا السياق، وهو يؤكد أن السعودية عادت لتهتم بالوضع اللبناني، وإن كانت بعض المعطيات الأساسية لم تتغير على صعيد الحكومة وعلى صعيد أداء السلطة السياسية الحالية، وتشرح مصادر في القوات اللبنانية أن اللقاء الذي عقد تحت شعار “تصدير الأمل” في “معراب” يؤكد على الاهتمام السعودي القديم المتجدد بالمسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً، وتكشف المصادر أن المملكة تراهن على دور المسيحيين في الموضوع الثقافي وهوية لبنان وإعادة ربط لبنان بالعالم وبمحيطه العربي وإخراجه من العزلة التي تسببت بها السلطة السياسية الحاكمة.

 

واللقاء الذي يؤكد على العلاقة المتينة والثقة المتبادلة بين السعودية وحزب القوات اللبنانية ورئيسه سيكون وفق المصادر مؤشراً إلى توجهات المرحلة المقبلة، لا سيما أن لقاء “معراب” وقبله لقاء “بكركي” أكدا على تموضع مسيحي سياسي حريص على أفضل العلاقات مع الدول العربية والسعودية خصوصاً، بما لهذا التحالف من انعكاسات على قيام الدولة القوية القادرة المستقلة بقراراتها على عكس تحالفات مسيحية أخرى أسهمت في إضعاف الدولة ومؤسساتها الرسمية.

 

وقد كان لافتاً في هذا السياق تأكيد رئيس حزب القوات على رفض أي احتلال أو وصاية او تبعية معلنة كانت أم مضمرة، وقال “نتمسك بسيادة الدولة اللبنانية كاملة على أراضيها، ولن نرضى شريكاً لها في القرار الاستراتيجي، ولن نرضى باستمرار مصادرة قرار الدولة العسكري والأمني من قبل أي كان”.

 

وبحسب مصادر مطلعة، فإن السعودية منفتحة على الجميع، لكن ممن هم حريصون على مصلحة لبنان أولاً وعلى علاقاته العربية ثانياً، وتكشف المصادر أن الرياض ستعمل خلال المرحلة المقبلة على تعزيز العلاقة مع كل الاشخاص الذين هم موضع ثقة ويتميزون بأداء يخدم مصالح اللبنانيين من جهة، فضلاً عن تعزيز العلاقة الثنائية والمصالح المشتركة بين بيروت والرياض من جهة أخرى.

 

العقوبات الأوروبية قبل نهاية الشهر

 

وفي موازاة الحراك الدبلوماسي الثلاثي السعودي – الأميركي – الفرنسي تحت عنوان مساعدة الشعب اللبناني، وحث المسؤولين فيه على تشكيل حكومة فاعلة وقادرة على وضع الاصلاحات الضرورية، نجحت فرنسا ومعها ألمانيا في استخدام عصا العقوبات بعد قرار اتخذ بالإجماع، الإثنين 12 يوليو (تموز) في بروكسل بفرض عقوبات بحق معطلي تشكيل الحكومة ومعطلي الاصلاحات قبل نهاية الشهر، وهي مهلة أخيرة ليتحرك خلالها المعنيون بتأليف الحكومة قبل أن يطالهم سيف العقوبات الذي لن يستثني أحداً منهم، بحسب ما أكدت مصادر أوروبية لـ “اندبندنت عربية”، كاشفة أن لائحة العقوبات تشمل مسؤولين من الصف الأول من الانتماءات والطوائف كافة، ولن تقتصر على المستشارين أو الحلقة القريبة من أي مسؤول.

 

القرار الأوروبي اتخذ بالإجماع، واللافت أن هنغاريا لم تعترض على عكس موقفها في المرحلة الأولى من طرح العقوبات، في وقت عملت كل من ألمانيا وفرنسا على توفير الدعم المطلق للقرار، وكانتا الأكثر حماسة له. وعلمت “اندبندنت عربية” أن وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان سيتولى إبلاغ المسؤولين اللبنانيين الذين ستطاولهم العقوبات، في وقت كشفت مصادر دبلوماسية أن لو دريان كان تواصل مع المسؤولين السعوديين، ووضعهم في أجواء القرار الأوروبي بحق المسؤولين اللبنانيين. وفور اتخاذ القرار أعلن وزير خارجية فرنسا من على منبر الاتحاد الأوروبي، “منذ أشهر عدة ونحن نقول للسلطات اللبنانية بضرورة تشكيل حكومة لإجراء الاصلاحات اللازمة لإخراج لبنان من المأساة التي سيدخلها، وقد حصل إجماع سياسي لوضع إطار قانوني للعقوبات قبل نهاية الشهر، أي قبل الذكرى المؤسفة لانفجار مرفأ بيروت، في الرابع من أغسطس (آب)، للضغط على السياسيين لتشكيل حكومة ولإجراء الاصلاحات الضرورية للبلد”.

 

الدول العربية ليست بعيدة من قرار العقوبات

 

أول من كان تحدث عن العقوبات كان الصحافي الخبير في الشؤون الأوروبية تمام نور الدين وبعد صدورها، ويذكر نور الدين أنه عندما اقترح الفرنسيون على طاولة الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين جوبه الطرح برفض دول أوروبية، لأسباب تتعلق إما بعلاقة بعضها بروسيا أو بعلاقة بعضها الآخر بالإدارة الأميركية، لكن بعد انتخاب جو بايدن وإعلانه صراحة دعمه الكامل للمبادرة الفرنسية بعد الاطلاع على تفاصيلها تغيّر المشهد، وكان التفاهم الأول بعد لقاء وزيري خارجية البلدين في باريس منذ نحو أربعة أسابيع، حيث حضر الملف اللبناني واتفق الجانبان على حل للأزمة اللبنانية، وهو حل بات من المؤكد أنه يجب أن يمر بعصا العقوبات بعد فشل المسؤولين اللبنانيين في الوفاء بتعهداتهم. واستتبع اللقاء الثنائي الفرنسي – الأميركي بلقاء ثلاثي مع وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ونشطت الدبلوماسية الثنائية الفرنسية والأميركية في محاولة لإقناع السعودية بالتعامل بطريقة أخرى مع الملف اللبناني، والعودة للعب دور شريك في الحل، والبدء على الأقل من باب الموضوع الانساني وتأمين المساعدات للشعب اللبناني وللجيش والقوى الأمنية الشرعية.

 

ويشرح نور الدين لـ “اندبندنت عربية” عن عمق الشراكة بين السعودية وفرنسا، وهي شراكة اقتصادية ومشاريع بمليارات الدولارات، مذكراً بأن جولة رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون إلى الخليج، والتي أرجئت لأسباب لها علاقة بوباء كورونا ستحصل قريباً، ويؤكد الخبير في الشؤون الأوروبية أن المسعى الدولي والعربي الذي يشمل مصر والإمارات يصب في مصلحة إيجاد حل للشعب اللبناني وليس للسلطة الحاكمة التي لم تعد موضع ثقة لدى الدول الغربية والعربية.

 

مسار العقوبات

 

ويكشف الصحافي نور الدين عن سيناريو يجري الحديث عنه في الكواليس الدبلوماسية، يقضي بأن يقدم الرئيس المكلف سعد الحريري تشكيلة يحافظ من خلالها على التوازن المطلوب، وإذا رفضها رئيس الجمهورية ميشال عون فعندها يقدم الحريري اعتذاره ليصبح التعطيل من مسؤولية الرئيس عون و”التيار الوطني الحر”، الذي يقول نور الدين إن العقوبات الأوروبية ستشملهم بشكل أساس، أما إذا وصلت نهاية الشهر، وهو موعد فرض العقوبات، ولم يكن الحريري قد قدم تشكيلة حكومية، فهناك احتمال كبير لا بل مؤكد أن تشمله العقوبات وفق ما يقول نور الدين، وقد أبلغ بهذا الأمر.

 

ويكشف نور الدين أيضاً أن بعض الدول ومنها الإمارات ومصر سعت إلى تجنيب بعض الشخصيات العقوبات، ومنهم وزراء سابقون مقربون من “التيار الوطني الحر”، لكن لا قرار مؤكداً بعد بإزالة أية شخصية.

 

ومن المعلوم أن المعايير التي ستعتمد في فرض العقوبات والتي تم الاتفاق عليها في أكثر من جلسة عقدت في الاتحاد الأوروبي عددها أربعة، الأول تعطيل التشكيل وعرقلة التأليف، والثاني عدم تنفيذ الاصلاحات وغياب القرارات المساعدة لتنفيذها، والثالث عامل سيشمل كل مؤسسة أو شخص أو هيئة تسببت في الانهيار المالي وتراجع القطاع المصرفي، ويبقى العامل الرابع المتعلق بحقوق الإنسان، بحيث يعتبر كل من تسبب بالأزمتين المالية والاقتصادية أنه مسّ بحق كل إنسان في عيشه وحياته.

 

 

المصدر: اندبندنت عربية

 

عن Editor1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *