الإثنين , 29 أبريل 2024

الشرق الأوسط : باسيل يبتز حليفه “حزب الله” لضمان مستقبله يدرك أن “العهد القوي” يتهاوى ولا أمل في إنقاذه

كتبت صحيفة ” الشرق الأوسط ” تقول : لم يتضمّن البيان الصادر عن المجلس السياسي لـ”التيار الوطني الحر”، في ‏الذكرى الخامسة عشرة للتوقيع على ورقة التفاهم بين رئيسه ومؤسسه آنذاك ‏العماد ميشال عون وبين الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله أي جديد ‏سوى أنه جاء بمثابة إعادة صياغة لمواقفه التي عبّر عنها رئيسه الحالي النائب ‏جبران باسيل في أكثر من مناسبة أبرزها محاولته الالتفاف على العقوبات ‏الأميركية المفروضة عليه قبل أن تدخل حيّز التنفيذ، ولم يفلح في تقديم أوراق ‏اعتماده إلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب؛ سعياً لإقناع إدارته بصرف ‏النظر عنها‎.

 

 

ولعل الأهمية الوحيدة لهذا البيان تكمن في اختياره التوقيت لمناسبة مرور 15 ‏عاماً على توقيع ورقة التفاهم ليتوجّه من خلالها بجردة حساب من حليفه “حزب ‏الله” تحت سقف ضرورة إخضاعها إلى مراجعة إيجابية لتبيان مكامن الخلل، ‏انطلاقاً من أن “التيار الوطني” التزم بما تعهد به لجهة تجنيب لبنان شرور الفتنة ‏والانقسام، وحماه من اعتداءات الخارج بردع إسرائيل وصد الإرهاب، في مقابل ‏أن من التزم بهذه الورقة، في إشارة إلى شريكه الشيعي، لم ينجح في توفير الدعم ‏له في معركة بناء الدولة وسيادة القانون ومكافحة الفساد‎.

 

 

ومع أن “التيار الوطني” أراد أن يرمي المسؤولية في إعاقة مشروع الدولة ‏وبطريقة غير مباشرة على حركة “أمل” الحليف الاستراتيجي لـ”حزب الله” ‏الذي يبدو أنه ليس في وارد الرد عليه في محاولة لاستدراجه للدخول في سجال ‏سياسي لا يتوخّاه، رغم أنه يدرك جيداً أنه وحليفه باسيل محكومان بالتحالف الذي ‏سيبقى صامداً حتى إشعار آخر لتعذّر تأمين البدائل‎.

 

 

كما أن نصر الله كان أول من تجاوب مع باسيل بإجراء مراجعة لورقة التفاهم، ‏وانسحب موقفه على نائبه الشيخ نعيم قاسم، خصوصًا بعد صدور العقوبات ‏الأميركية التي استهدفت رئيس “التيار الوطني”. ولاحقاً تقرر تشكيل لجنة ‏مشتركة تتولى إعادة تقويم العلاقة التحالفية بينهما، وتتقدّم بمقترحات لتفادي ‏الخلل الذي أصابها، وضمت اللجنة عن “التيار الوطني” النائبين آلان عون، ‏وسيزار أبي خليل، وعن “حزب الله” النائب حسن فضل الله ورئيس العلاقات ‏الإعلامية محمد عفيف ورئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق عبد الحليم ‏فضل الله‎.

 

 

وفي هذا السياق، قال مصدر نيابي يتقاطع في معظم مواقفه مع “الثنائي الشيعي” ‏لـ”الشرق الأوسط” إن هناك جملة من الأسباب لا يمكن تجاهلها لتفسير إصرار ‏باسيل على مطالبته بمراجعة ورقة التفاهم، مع أن لا مصلحة له في إقحام نفسه ‏في جردة حساب مع “حزب الله” الذي لديه الكثير مما يقوله في حال قرر ‏الخروج عن صمته، وسيكون بمثابة مضبطة اتهام لباسيل‎.‎

 

 

ولفت إلى أن الحزب لا يبدي في مجالسه الخاصة انزعاجاً من باسيل، لكن ‏يفضّل الاحتكام إلى الرئيس عون طلباً لضبط إيقاعه السياسي إلى أن اكتشف ‏أخيراً أن باسيل أخذ يتصرف بلا رادعة وكأنه الرئيس الظل، وهذا ما ظهر جلياً ‏في تسخيره لإدارات الدولة لخدمة طموحاته الرئاسية، وقال إنه يمارس حالياً ‏سياسة لا تخلو من ابتزاز حليفه بعد أن أيقن أن “العهد القوي” بدأ يتهاوى وأن ‏فرص إنقاذه باتت مستحيلة‎.

ورأى المصدر النيابي أن “حزب الله” كان وراء توفير الغطاء السياسي، بدءاً ‏بتأخير تشكيل الحكومات ما لم يصر إلى التجاوب مع شروط باسيل الذي عُيّن ‏وزيراً رغم أنه رسب مرتين في الانتخابات النيابية بخلاف إصرار عون على ‏عدم توزير من يخسر في الانتخابات قبل أن يتراجع إكراماً ومراعاة لصهره، ‏وقال إن الحزب عطّل مراراً جلسات انتخاب رئيس الجمهورية إلى أن ضمن ‏انتخاب عون رئيساً‎.

 

 

واعتبر أن باسيل بات مضطراً لاستخدام عضلاته السياسية بعد أن فقد الأمل ‏بالاعتماد على عون لضمان مستقبله، وبات يخشى من أن تتجاوب معظم ‏الأطراف وبدعم دولي مع شروط الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة سعد ‏الحريري ما يفقده القدرة على إعادة تعويم نفسه، وبالتالي يريد أن يحشر “حزب ‏الله” من دون أن يذهب إلى فرط تحالفه معه لعله يعيد له اعتباره السياسي حتى ‏لو اضطر إلى أخذ البلد للهاوية ظناً منه بأنه سيؤمّن له الجلوس بين الكبار محلياً ‏للبحث في مستقبل لبنان‎.

 

 

ناهيك أن باسيل – بحسب المصدر النيابي – يدرك جيداً أن لا مفر أمامه سوى أن ‏يبقى في عداد الكبار المعنيين بمستقبل لبنان لعله يوقف تراجع تياره في الشارع ‏المسيحي ومبادرة أبرز الرموز من الحرس القديم التي كانت وراء تأسيس التيار ‏وانطلاقته إلى الانخراط في “الخط التاريخي”، وجميع هؤلاء لا يزالون موضع ‏ثقة بداخل جمهور ومحازبي التيار الذين آثروا الصمود وفضّلوا مقاومة باسيل ‏من الداخل‎.

فباسيل من وجهة نظر المصدر نفسه، يركض وراء التسويات ليس لإعادة ‏الاعتبار إلى “التيار الوطني”، وإنما لتوفير الحماية لموقعه الشخصي، ‏خصوصًا أن لومه للآخرين على خلفية إعاقتهم لمشروع الدولة لن يُصرف في ‏مكان لأنه أصر على اختياره للوزراء الذين يدينون له بالولاء، إضافة إلى ‏حصده للتعيينات في إدارات الدولة ومؤسساتها وفي المراكز الرئيسية في التيار ‏على قاعدة إضعاف مناوئيه في الداخل لقطع الطريق على من ينافسه ليكون ‏الوريث السياسي للرئيس عون‎.

 

 

كما أن باسيل بات يدرك عن سابق تصور وتصميم بأن خروجه من الحصار ‏السياسي لن يكون إلا بالالتفات لحليفه “حزب الله” ولو من باب الابتزاز ‏والتهويل تحسباً لقطع الطريق على دخوله في تسوية سياسية تدفع باتجاه تسريع ‏ولادة الحكومة في حال أعيدت قنوات التواصل بين واشنطن وطهران التي قد ‏تضطر للتدخل لدى حليفها لرفع الفيتو الذي يؤخر تشكيلها‎.

 

 

لذلك، فإن باسيل باستخدامه للشعارات البراقة وزجّها في إعادة مراجعة ورقة ‏تفاهمه مع “حزب الله” يراهن على استعادة بعض ما فقده في الشارع المسيحي ‏بعد أن تعذّر عليه استنهاضه بذريعة استرداد حق المسيحيين والحفاظ على ‏الشراكة في تشكيل الحكومة، وبالتالي لم يعد لديه سوى هذه الورقة ليلعبها بعد ‏أن أبدى انزعاجه من المبادرة التي طرحها رئيس المجلس النيابي نبيه بري ‏مدعوماً من “حزب الله‎”.

وعليه، يخوض باسيل آخر معاركه السياسية للبقاء سياسياً على قيد الحياة وهو ‏يراهن على القوة الضاربة لـ”حزب الله” لعله يوفر له الدعم بعد أن تعذّر على ‏باريس من خلال المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ ‏لبنان إمكانية تسويقه، وفيما لم يعد له من حليف سوى “حزب الله” ما اضطره ‏لأن يرفع صوته عالياً لإعادة تعويمه من دون أن يتورط في مغامرة تقود إلى فك ‏تحالفه الذي سيرفع من منسوب عزلته السياسية‎.‎

عن Editor1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *