السبت , 20 أبريل 2024

الراعي: نأمل ألا يكون تأجيل ولاية النواب وسيلة للتمديد وهذا أمر معيب حقا

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان حنا رحمة وعاد ابي كرم، أمين سر البطريرك الأب بول مطر، بمشاركة لفيف من المطارنة والكهنة، وفي حضور قائد القوى السيارة في قوى الامن الداخلي العميد فؤاد خوري، وفد من أبرشية حلب المارونية،القنصل ايلي نصار وحشد من المؤمنين.

بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان “رابوني، يا معلم، أن أبصر” (مر10: 51)، قال فيها:”مع هذا الأحد تنتهي سلسلة آيات الشفاء التي صنعها الرب يسوع، وتأملنا فيها طيلة أسابيع الصوم الخمسة. واليوم ندخل في الأسبوع السادس والأخير، قبل أحد الشعانين وأسبوع الآلام والموت والقيامة.
في آية شفاء أعمى أريحا، كشف يسوع عن هويته أنه بالحقيقة “نور العالم. من يتبعه لا يمشي في الظلام، بل تكون له الحياة الأبدية” (يو8: 12). هذا ما آمن به الأعمى، وما جرى له. فلما سمع أن يسوع الناصري يمر من هناك، راح يصرخ إليه ويناديه باسمه البيبلي الذي لم تعرفه بعد عامة الناس: “يا ابن داود ارحمني! (الآية 47)، أي أيها المسيح المنتظر من سلالة داود، حامل الرحمة لبني البشر، ارحمني”. فلما سأله يسوع: ماذا تريد أن أصنع لك؟” أجابه على الفور ومن دون تردد: “رابوني، يا معلم، أن أبصر” (مر 10: 51).

وللحال، بفضل إيمانه أبصر، وكان له في شخص يسوع نور وهداية إلى الحياة الأبدية. فتبعه في الطريق. نحن نأمل ونصلي في هذه المرحلة الختامية من زمن الصوم، ليكون نصيبنا البصر الداخلي المستنير بنور المسيح الهادي إلى طريق الحياة”.

أضاف: “يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهية، ومعنا أهالي وشبيبة أبرشيتنا المارونية في حلب الشهيدة، وعلى رأسهم سيادة المطران جورج أسادوريان المعاون والنائب البطريركي للأرمن الكاثوليك فإننا نرحب بهم، ومن خلالهم نوجه تحية حارة لراعي الأبرشية سيادة أخينا المطران يوسف طوبجي، الموجود حاليا في روما.

إنكم، أيها الأحباء، وكل أبناء مدينة حلب وبناتها في صلاتنا الدائمة. فحلب عزيزة علينا وعلى تراثنا المسيحي عامة والماروني خاصة. فمؤسسو الرهبانيتين اللبنانية المارونية، والمارونية المريمية حلبيون هم: عبدالله قراعلي الذي أصبح مطرانا لبيروت ونحن في صدد التحقيق في دعوى إمكانية تطويبه، وجبرائيل حوا الذي انتخب مطرانا لقبرص، وجرمانوس فرحات الذي أصبح مطرانا لحلب، ويوسف البتن. هؤلاء أتوا إلى لبنان وبارك المكرم البطريرك اسطفان الدويهي مقصدهم بتنظيم الحياة الرهبانية في لبنان. وألبسهم الإسكيم الرهباني سنة 1695. وإننا نأمل أن نزور حلب العزيزة في أقرب وقت ممكن لنقف إلى جانب شعبها وأهلها بروح التضامن والمساعدة، ولنشجعهم على الصمود فيها، حفاظا على تراثهم التاريخي العريق والغني، وعلى مواطنيتهم السورية بكل حقوقها المدنية.

ونصلي من أجل كل الشعب السوري المهجر من أرضه ووطنه، وأولئك الذين يعيشون تحت أزيز الرصاص والقنابل، وأولئك المشردين على دروب الأرض. نصلي من أجل إيقاف الحرب وإيجاد حلول سلمية وسياسية، وإخماد نار الإرهاب والعنف والأصوليات، وتوطيد سلام عادل وشامل ودائم، وإعطاء الشعب السوري حقه في تقرير مصيره، فلا يقرر عنه أحد من قريب أو من بعيد”.

وتابع: “هذه الصلاة تشمل أيضا العراق وشعبه الذي تمزقه حرب أهلية مفتعلة ومؤججة. ونفكر بشكل خاص بإخواننا في منطقة الموصل وسهل نينوى، الذين طردتهم الدولة الإسلامية المعروفة ب “داعش” من بيوتهم وممتلكاتهم، وهدمت بيوتهم وشردتهم، ونصلي من أجل رجوعهم إليها مكرمين بحكم مواطنيتهم. ونصلي من أجل أهل مدينة الموصل الخاضعة لحرب التحرير من قبضة داعش: من أجل الستماية ألف المحاصرين في غربي المدينة، والمايتي ألف الذين هُجِروا منها، ويعيشون في أوضاع إنسانية محرجة، فيما الأسرة الدولية ويا للأسف لم توفر من الحاجات المطلوبة سوى 8 % بحسب الأمين العام للأمم المتحدة السيد Guterres.نصلي من أجل الثلاثماية قتيل من المدنيين الأبرياء الذين سقطوا في عملية التحرير منذ شهر ونصف.

كما تشمل صلاتنا الأراضي المقدسة التي تنكل بشعبها وبأرضها حروب بدأت سنة 1948 ولما تزل مشتعلة. فكانت القضية الفلسطينية ومآسيها. ولا مجال لحلها من دون مبدأ الدولتين:الإسرائيلية والفلسطينية، وعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم الأصلية. فلا شك أن السلام في الشرق الأوسط مرتبط في الأساس بحل هذا النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني”.

أضاف: “إنني أحيي بيننا أولاد المرحومة ماري صفير أرملة نسيبنا المرحوم قيصر يونس، التي ودعناها معهم منذ أسبوعين. إننا نصلي لراحة نفسها في الملكوت السماوي، ولعزاء أسرتها.
ونرحب بالمسؤولين في “مؤسسة التعليم المسيحي للشبيبة” المعروف ب Youcat، وهما: السيد Christian Lermer والسيدMartin Kornas، وقد أتيا خصيصا إلى لبنان لإطلاق النسخة العربية “لتعليم الكنيسة الإجتماعي للشبيبة” المعروف ب Docat. وهو فريق يعمل معه من قبلنا الخوري توفيق بو هدير منسق مكتب راعوية الشبيبة في الدائرة البطريركية”.

وقال: “رابوني، أن أبصر” (مر10: 51). كان مطلب أعمى أريحا ما هو بأمس الحاجة إليه: أن يشفيه يسوع من عماه. وكان مؤمنا إيمانا وطيدا أنه يستطيع ذلك. هذا الإيمان ليس مجرد معرفة عقلية، بل هو عطية من الله قبلها الأعمى في أعماق قلبه. ولعله سمع، وهو جالس على باب الهيكل، تلك القراءة من أشعيا النبي التي تلاها يسوع ذات سبت في مجمع الناصرة، وقال أنها تمت فيه. وكانت: “روحُ الرب علي مسحني وأرسلني لأبشر المساكين، وأنادي للعميان بالبصر” (راجع لو4: 16-21).

أضاف: “أما يسوع فشفاه شفاء شاملا، لأن نور المسيح يخرق كل ظلمات حياة الإنسان، ويبددها. شفاه من حالات مرة ثلاث ميزت واقعه الإنساني والاجتماعي. فهو شحاذ يعيش حالة الفقر المدقع والحرمان، والحاجة الدائمة، من دون مستقبل أو أحلام. وهو أعمى يعيش في ظلمة دائمة، لا تعرف النور. يسمع ولا يرى، ويتوق إلى معرفة ما يجري من حوله من دون جدوى.
وهو على قارعة الطريق، مهمش، وكأنه في حالة قطيعة مع الجميع. بهذه الأوصاف يعتبر “بن طيما” الأعمى “ميتا” إنسانيا واجتماعيا ودينيا.
لقد شفاه يسوع من حالة الشحاذ، عندما طلبه إليه وسأله: “ماذا تريد أن أعمل لك؟” وكأن الرب يقول له: لست شحاذا بالنسبة إلي، بل أنت “أخ صغير” في حاجة إلى شفاء (راجع متى 25: 36 و40). هكذا رفعه يسوع إلى مستوى الكرامة فلن يكون شحاذا بعد الآن. وشفاه من حالة التهميش، عندما أخرجه عن قارعة الطريق، وأتى به إليه، فأصبح هو ويسوع المشهد الوحيد وسط الجمع الغفير. ونال مديح الرب على إيمانه. وشفاه من مرض العمى بقدرته الإلهية بفضل إيمانه وبصيرته الداخلية. فأكد الرب يسوع أن مفتاح قدرة الله الفاعلة في الإنسان والتاريخ هو الإيمان.

بهذه الشفاءات الثلاثة، أعاد الرب يسوع لابن طيما كمال صورة الله وكرامته الإنسانية في مجتمعه. فنشهد هنا خلقا جديدا، ورؤية جديدة، تُعطى لابن طيما ليسلك في طريق جديد، على نور المسيح وكلامه وهديه”.

وتابع: “لقد تبين من آية شفاء الأعمى أن هذا أعمى العينين كان المبصر الحقيقي والوحيد بقلبه وعقله وضميره المستنير بإيمانه. فعرف حقيقة يسوع، خلافا لكل التلاميذ وللجمع الغفير الذي كان يرافق يسوع، وانتهر الأعمى ليسكت. وإذ قال له الرب: “إيمانُك خلصك” أراد القول للجمع أنهم كلهم بحاجة إلى هذا البصر الداخلي الآتي من نور المسيح.
ما من أحد منا، ولاسيما المسؤولون في الكنيسة والدولة، وفي العائلة والمجتمع، إلا ويحتاج إلى هذا النور السماوي كي تستنير به بصيرته الداخلية فترى بوضوح ما يحيط بنا من مآسي وحاجات”.

وقال: “في رسالتي العامة بموضوع “خدمة المحبة الاجتماعية” بتاريخ 25 آذار المنصرم، أظهرت في فصلها الأول، كيف أن الكنيسة استنارت منذ البداية بنور المسيح، فانطلقت إلى العالم كله برسالة مثلثة الأبعاد: تكرز بإنجيل المسيح هداية لجميع الشعوب إلى حقيقة الله والإنسان والتاريخ؛ وتوزع النعمة الإلهية بخدمة الأسرار والليتورجيا، تقديسا للنفوس وشفاء من الخطيئة والضعف البشري؛ وتخدم المحبة الاجتماعية للفقراء والمحتاجين، وتقوم بعملية إنماء للشخص البشري وللمجتمع من خلال مؤسساتها المتنوعة المساحات والقطاعات.

وبينت بالأرقام، في فصلها الثاني، الخدمات والمساعدات المالية وفرص العمل التي تقدمها كنيستنا المارونية في المدارس والجامعات والمستشفيات والمراكز الطبية والمستوصفات، وفي المؤسسات الاجتماعية الأخرى لذوي الحاجات الخاصة، وفي استثمار أملاك كنيستنا وأوقافها الخاصة بالبطريركية والأبرشيات والرهبانيات، وأخيرا في المشاريع السكنية لذوي الأجر المحدود. ورسمت، في الفصل الثالث، الخطة المستقبلية، انطلاقا من واقع شعبنا الروحي والاقتصادي والاجتماعي والمعيشي”.

أضاف: “إننا نتمنى ونصلي كي يستنير المسؤولون السياسيون عندنا بنور إنجيل المحبة الذي يحرِر من ظلمات المصالح الخاصة، فتنفتح آذان قلوبهم لسماع أنين شعبنا في مختلف حاجاته الاقتصادية والمعيشية والإنمائية، ويصغوا لصوت ضمائرهم الداعية إلى الحد من الفساد المستشري في الوزارات والإدارات العامة والمجالس. نسأل الله أن ينير عقولهم لكي يقوموا بالإصلاح الاقتصادي في كل قطاعاته والنهوض به. وندعو الوزارات المعنية لإيفاء ما على الدولة من مستحقات مالية سنوية للمستشفيات الخاصة والمدارس المجانية والمراكز الاجتماعية المتخصصة، لكي تتمكن من تأمين خدمة أشمل أفضل للمواطنين وتطوير آلياتها وأدواتها. وندعو المجلس النيابي والحكومة إلى إقرار قانون جديد للانتخابات. وهذا واجب يرقى إلى سنة 2005 عندما أنشئت أول لجنة رسمية لهذه الغاية”.

وتابع: “معلوم أن مدة المجلس النيابي الحالي كانت قد انتهت في 20 حزيران 2013، فمددها من دون مسوِغ شرعي، حتى 20 تشرين الثاني 2014. ثم مدد لنفسه مرة ثانية حتى 20 حزيران 2017، من دون سبب شرعي وبمخالفات متعددة للدستور، كما فصلها قرار المجلس الدستوري الصادر في تاريخ 28 تشرين الثاني 2014.
لقد أدان هذا القرار دستوريا ربط الانتخابات النيابية بالتوافق على قانون انتخاب جديد، أو بالتوافق على إجرائها (راجع الفقرتين 7 و8). وبالرغم من كل المخالفات الدستورية وسواها، رد المجلس الطعن بقانون التمديد للمجلس النيابي “للحيلولة دون التمادي في حدوث فراغ في المؤسسات الدستورية” (راجع الفقرة الحكمية عدد2). وهذا لا يعني على الإطلاق تبرئة التمديد.
نأمل أن لا يصل بنا التواني في إقرار قانون جديد للانتخابات إلى تمديد آخر أو إلى واقع لا نعرف نتائجه الوخيمة. ونأمل ألا يكون التأجيل، من شهر إلى آخر، وسيلة لتمديد ولايةالسادة النواب لمدة أطول وأطول قدر الممكن. وهذا أمر معيب حقا!”

وختم الراعي: “أجل، كلنا بحاجة إلى نور المسيح الداخلي المحرِر من المصالح الخاصة التي تجعل الإنسان ضعيفا مهما علا شأنه في عين نفسه ومؤيديه. أما نحن فنظل مواظبين على الصلاة مع القديس افرام السرياني: “أشرق النور على الأبرار، والفرح على مستقيمي القلوب”. فنرفع المجد والتسبيح لأبي الأنوار، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

بعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الالهية. والتقى وفدا من أبرشية حلب المارونية قدم له لوحة ترمز الى خارطة سوريا موقعة من قبل أبناء الأبرشية، بما يؤكد من خلال هذه التواقيع على الثبات والبقاء والثبات في أرضهم رغم الظروف الصعبة التي يمر بها البلد.

بدوره، وقع الراعي على هذه اللوحة، شاكرا لهم الزيارة، ومتمنيا “إيجاد الحلول السريعة لإنهاء الحروب في سوريا والمنطقة”.

كما قدم له لوحة لكاتدرائية حلب المارونية التي تعرضت للتدمير نتيجة الاحداث، كتب عليها “حلب في انتظارك”. وأكد الوفد قرار الأبرشية إحياء اسبوع الآلام فيها بالرغم من تضررها.

ومن الزوار أيضا، الدكتور عماد مراد الذي قدم نسخة عن كتابه الجديد “الأديرة في قضاء بعبدا”.

عن Editor1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *